الإيجارات السكنية في مصر: خارطة طريق جديدة بعد حكم الدستورية الصادر في 9 نوفمبر 2024.

يشهد ملف الإيجارات السكنية في مصر منعطفًا تاريخيًا مع اقتراب موعد تفعيل حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 9 نوفمبر 2024، والذي قضى بعدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى، وذلك فيما تضمنته الفقرة الأولى من المادتين 1 و 2 من القانون رقم 136 لسنة 1981. هذا الحكم، الذي سيصبح نافذًا بمجرد انتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب المصري (المتوقع في يوليو 2025)، يُبشّر بتغييرات جذرية في العلاقة بين الملاك والمستأجرين، ويضع على عاتق البرلمان والحكومة مسؤولية إصدار تشريع جديد يُعيد التوازن إلى سوق الإيجارات.

لطالما كان قانون الإيجار القديم مصدر نزاع مستمر بين الملاك والمستأجرين. فبموجب هذا القانون، ظلت القيمة الإيجارية للعديد من الوحدات السكنية ثابتة عند مستويات زهيدة تعود لعقود مضت، دون أي مراعاة للتضخم المتزايد أو القيمة السوقية الحقيقية للعقارات. هذا التجميد للأجرة أدى إلى إهدار جسيم لحق الملكية الدستوري، وحرم الملاك من استغلال أملاكهم بصورة عادلة، فضلاً عن تدهور العديد من العقارات بسبب ضعف العائد الذي لا يسمح بالصيانة اللازمة.

جاء حكم المحكمة الدستورية العليا ليؤكد على أن :

الثبات في الأجرة يشكل “عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية”. المحكمة لم تلغِ القانون بأكمله، بل استهدفت جوهر المشكلة: القيمة الإيجارية، مؤكدة على ضرورة أن تكون هذه القيمة قابلة للتعديل لتواكب المتغيرات الاقتصادية، بما يحقق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.

الحكم لم يدخل حيز النفاذ فورًا، بل منحت المحكمة الدستورية مهلة تشريعية تنتهي في اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب. هذه المهلة، التي من المتوقع أن تمتد حتى أواخر يوليو 2025، تُعد فرصة حاسمة للمشرع المصري (مجلس النواب والحكومة) لوضع قانون جديد يُنظم العلاقة الإيجارية في الوحدات السكنية القديمة، ويراعي في ذلك الموازنة بين حماية حق الملكية وضرورة مراعاة البعد الاجتماعي للمستأجرين.

تتجه الأنظار الآن نحو ما سيحمله هذا القانون الجديد، والذي من المتوقع أن يتضمن:

 * زيادات تدريجية في الأجرة: يُرجح أن يتضمن القانون نسبًا محددة للزيادة السنوية في الأجرة على مدى فترة زمنية معينة.

 * فترات انتقالية للإخلاء: قد يتم تحديد مدة زمنية معينة (كخمس أو عشر سنوات) يتم بعدها تحرير العلاقة الإيجارية أو إخلاء العين، مع إمكانية التجديد بالتراضي.

 * مراعاة البعد الاجتماعي: هناك مقترحات لتمييز الفئات المستأجرة المختلفة وتقديم حلول تتناسب مع كل فئة، بما في ذلك توفير سكن بديل للفئات الأكثر احتياجًا.

 * آليات لفض المنازعات: قد ينص القانون على إنشاء لجان أو آليات للتسوية الودية بين الملاك والمستأجرين لتقليل اللجوء إلى المحاكم.

إذا انتهى دور الانعقاد التشريعي الحالي دون إصدار قانون جديد ينظم زيادة الأجرة، فإن حكم المحكمة الدستورية العليا سيصبح نافذًا ومطبقًا بشكل مباشر. هذا يعني أن المواد التي تقيد ثبات الأجرة في القانون القديم ستكون ملغاة تلقائيًا.

في هذا السيناريو، سيُفتح الباب أمام الملاك لرفع دعاوى قضائية أمام المحاكم للمطالبة بتحديد أجرة عادلة للوحدات المؤجرة. المحاكم في هذه الحالة ستستعين غالبًا بـ خبراء لتقدير القيمة الإيجارية العادلة بناءً على القيمة السوقية للوحدة وموقعها وحالتها، وغيرها من العوامل. هذا المسار، وإن كان يوفر حق المالك، إلا أنه قد يؤدي إلى موجة ضخمة من الدعاوى القضائية، ويخلق حالة من الفوضى وعدم اليقين في سوق الإيجارات السكنية.

مع اقتراب تفعيل الحكم، يجب على الملاك اتخاذ خطوات استباقية لحماية حقوقهم:

  • المتابعة الدقيقة للتشريع الجديد: يجب على الملاك متابعة أخبار مجلس النواب والحكومة عن كثب لمعرفة تفاصيل القانون الجديد فور صدوره. هذا القانون سيكون هو المرجع الأساسي لتحديد حقوقهم وواجباتهم.
  •  التفاوض الودي: قبل اللجوء إلى أي إجراءات قانونية، يُفضل محاولة التفاوض الودي مع المستأجر لزيادة الأجرة بما يتفق مع القانون الجديد أو القيمة السوقية، وتوثيق أي اتفاق كتابيًا.
  •  الإنذار الرسمي واللجوء للقضاء: في حال رفض المستأجر الاستجابة للزيادة المحددة قانونًا (فور صدور القانون الجديد)، يمكن للمالك توجيه إنذار رسمي عبر محضر. وفي حالة عدم الاستجابة للإنذار، يصبح اللجوء إلى القضاء خيارًا مشروعًا للمطالبة بزيادة الأجرة أو تحديدها.
  • الاستعداد القانوني: يُنصح بشدة بالتشاور مع محامٍ متخصص في قضايا الإيجارات لمراجعة عقود الإيجار الحالية وتقديم المشورة القانونية السليمة، والاستعداد لأي إجراءات قانونية محتملة.

إن حكم المحكمة الدستورية يمثل بداية لمرحلة جديدة في ملف الإيجارات بمصر. المرحلة القادمة تتطلب وعيًا قانونيًا ويقظة من جميع الأطراف لضمان الانتقال السلس نحو علاقة إيجارية أكثر عدالة وتوازنًا.

هل تعتقد أن المشرع المصري سينجح في تحقيق التوازن المطلوب بين مصالح الملاك والمستأجرين في القانون الجديد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top