دعوى بطلان الاحكام والحكم الصادر من محكمة الأسرة. - محمد حماد المحامي

دعوى بطلان الاحكام والحكم الصادر من محكمة الأسرة.


دعوى بطلان حكم محكمة الأسرة: الاختصاص القضائي وتقادم الدعوى وأسبابها وإجراءات الطعن

تُعد دعوى بطلان الحكم الأصلي في القانون المصري أداة قانونية بالغة الأهمية. إنها تهدف إلى إبطال تلك الأحكام القضائية التي صدرت وهي تحمل عيوبًا جوهرية أثرت على مسار التقاضي، مما أفقد الحكم ركنًا أساسيًا من أركانه. تخيل أن حكمًا صدر دون أن يتم إعلامك بالدعوى من الأساس – هذا ليس مجرد خطأ إجرائي، بل هو عيب قد يُبطل الحكم بأكمله ويُهدد مبادئ العدالة نفسها.

لفهم أبعاد هذه الدعوى بشكل متكامل، لا بد لنا من الإلمام بعدة جوانب محورية: الاختصاص القضائي، أسباب البطلان، مدة تقادم الدعوى، وكيفية التعامل مع الحكم الباطل قضائيًا.


أولًا: الاختصاص القضائي – أين تُرفع دعوى بطلان حكم الأسرة؟

عندما ترغب في رفع دعوى بطلان حكم صادر عن محكمة الأسرة، يجب أن تفهم جيدًا نوعين أساسيين من الاختصاص القضائي: الاختصاص النوعي والاختصاص القيمي.

الاختصاص النوعي: المحاكم المدنية هي الملاذ

قد يبدو الأمر غريبًا، لكن على الرغم من أن الحكم الأصلي صدر من محكمة الأسرة، فإن القوانين المنظمة لعمل هذه المحاكم (مثل القانون رقم 1 لسنة 2000 والقانون رقم 10 لسنة 2004) لم تمنحها أي اختصاص صريح بنظر دعاوى بطلان الأحكام. اختصاص محاكم الأسرة ينحصر في النزاعات الأسرية الموضوعية كقضايا الطلاق، الحضانة، والنفقة.

لقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن دعاوى البطلان الأصلية للأحكام القضائية، بما في ذلك تلك الصادرة عن محاكم الأسرة، تقع ضمن الاختصاص الأصيل للمحاكم المدنية. هذا المنطق واضح؛ فدعوى البطلان لا تتعلق بموضوع النزاع الأسري الأصلي، بل بعيب جوهري في بنية الحكم نفسه أو في الإجراءات الجوهرية للتقاضي التي أدت إلى صدوره.

الاختصاص القيمي: المحكمة الابتدائية هي صاحبة الولاية

بطبيعتها، دعوى بطلان الحكم لا تهدف إلى المطالبة بمبلغ مالي محدد أو بحق يمكن تقدير قيمته النقدية بشكل مباشر. هدفها هو إهدار الكيان القانوني للحكم القضائي برمته وإزالة آثاره بسبب خلل إجرائي جوهري.

وفقًا للقواعد العامة للاختصاص القيمي في قانون المرافعات المدنية والتجارية، فإن الدعاوى التي لا يمكن تقدير قيمتها المالية (الدعاوى غير مقدرة القيمة) ينعقد الاختصاص بنظرها لـالمحكمة الابتدائية (الدوائر الكلية).

خلاصة الاختصاص: إذا كنت بصدد رفع دعوى بطلان حكم صادر من محكمة الأسرة في مصر، فإن المحكمة المختصة بنظرها هي المحكمة الابتدائية المدنية.


ثانيًا: أسباب البطلان – متى يُعد الحكم باطلًا؟

لا يُطعن بالبطلان لأي خطأ بسيط؛ بل يكون ذلك لعيوب جوهرية تُفقد الحكم ركنًا أساسيًا، أو تُخل بمبدأ جوهري من مبادئ التقاضي. تستند هذه الأسباب إلى نصوص قانون المرافعات والمبادئ القضائية المستقرة.

عيوب في شكل الحكم أو تكوين المحكمة:

  • عدم توقيع الحكم من القاضي/القضاة: غياب التوقيع يُفقد الحكم وجوده القانوني (مادة 178 مرافعات).
  • عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى: إذا كان القاضي ممنوعًا قانونًا من نظر الدعوى (مثلاً: وجود قرابة لأحد الخصوم، أو مصلحة شخصية)، فإن الحكم الصادر منه يكون باطلًا بطلانًا مطلقًا (المادتان 146 و 147 من قانون المرافعات).
  • عدم اكتمال تشكيل المحكمة: صدور الحكم من عدد قضاة أقل من النصاب القانوني يُبطل الحكم (مادة 167 مرافعات).
  • القصور في التسبيب: غياب الأسباب التي بُني عليها الحكم، أو كونها غامضة ومبهمة لدرجة تمنع محكمة الطعن من بسط رقابتها، يجعل الحكم باطلًا (مادة 178 مرافعات).
  • التناقض بين الأسباب والمنطوق: إذا كانت الأسباب التي ذكرها الحكم تؤدي منطقيًا إلى نتيجة تخالف ما ورد في منطوق الحكم، فهذا تناقض جوهري يجعل الحكم باطلًا.

عيوب جوهرية في إجراءات التقاضي:

  • عدم إعلان صحيفة الدعوى إعلانًا صحيحًا: هذا هو أحد أشهر أسباب البطلان، حيث يُحرم الخصم من حقه في العلم بالدعوى والدفاع عن نفسه (مادة 13 من قانون المرافعات).
  • حرمان الخصم من حقه في الدفاع: مبدأ دستوري وقانوني أصيل؛ إذا حُرم الخصم من فرصة عادلة لتقديم دفاعه، كعدم تمكينه من تقديم مستنداته.
  • صدور الحكم ضد شخص غير ممثل تمثيلًا صحيحًا: كحكم ضد قاصر دون ولي أو وصي، أو ضد شخص اعتباري دون من يمثله قانونًا.
  • عدم انعقاد الخصومة أصلاً: إذا رُفعت الدعوى ضد شخص متوفى قبل رفعها، أو ضد كيان قانوني غير موجود.
  • عدم وجود النيابة العامة في الدعاوى التي يستلزم القانون تدخلها: في بعض قضايا الأسرة المتعلقة بالنظام العام، يشترط القانون تدخل النيابة العامة (المادتان 87 و 88 من قانون المرافعات).

ثالثًا: مدة تقادم دعوى البطلان – متى يسقط الحق؟

مدة تقادم دعوى البطلان نقطة حرجة يجب معرفتها جيدًا لتجنب سقوط الحق في التمسك بالبطلان.

  • القاعدة العامة: 15 سنة: تسقط دعوى البطلان المطلق (الناشئة عن عيوب جوهرية تمس كيان الحكم) بمضي خمس عشرة سنة. هذه المدة هي ذاتها مدة التقادم الطويل أو التقادم المسقط العام للدعاوى المدنية، وفقًا لـالمادة 141/2 من القانون المدني المصري.
  • الدفع بالبطلان لا يسقط بالتقادم: هذا مبدأ جوهري مستقر قضاءً، ويعني أنه إذا أُثير بطلان الحكم كدفع في دعوى أخرى (أي للرد على خصم يستند إلى الحكم الباطل)، فلا تسري عليه مدة التقادم. يجوز التمسك بالبطلان في أي وقت.
  • الأحكام المنعدمة لا تتقادم: إذا كان الحكم “منعدمًا” (أي لم تتوافر له أدنى مقومات الوجود القانوني، كحكم صادر من جهة غير قضائية)، فإنه لا يتقادم بأي مدة زمنية.

رابعًا: التعامل مع الحكم الباطل قضائيًا – هل يمكن استئنافه؟

يخلط الكثيرون بين دعوى البطلان الأصلية وطرق الطعن العادية. فما هو المسار الصحيح للتعامل مع حكم مشوب بالبطلان؟

  • الاستئناف هو الطريق الأساسي للطعن على البطلان: نعم، يمكن استئناف الحكم الذي ترى أنه باطل، بل إن الاستئناف هو الطريق الأكثر شيوعًا والأصلي للتمسك ببطلان الحكم الصادر من محكمة أول درجة (المادتان 121 و 123 من قانون المرافعات).

ما بعد إلغاء الحكم:

  • الإعادة للمحكمة مصدرة الحكم: إذا كان البطلان راجعًا إلى عيب في الإجراءات التي سبقت صدور الحكم، فإن محكمة الاستئناف قد تقرر إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل فيها من جديد بعد تلافي سبب البطلان.
  • التصدي والفصل في الموضوع: في بعض الحالات، خاصة إذا كان البطلان يمكن تصحيحه أمام محكمة الاستئناف نفسها، فإنها قد تتصدي للفصل في موضوع النزاع الأصلي بعد إلغاء الحكم الباطل، وذلك توفيرًا للوقت والإجراءات.

متى تلجأ إلى “دعوى البطلان الأصلية”؟

يُعد اللجوء إلى دعوى البطلان الأصلية طريقًا استثنائيًا وملاذًا أخيرًا، وذلك في الحالات التي لا يكون فيها الاستئناف (أو أي طريق طعن آخر) متاحًا أو فعالًا لمعالجة البطلان. تشمل هذه الحالات بشكل رئيسي:

  • فوات ميعاد الاستئناف: إذا فات الميعاد القانوني لرفع الاستئناف على الحكم، واكتسب الحكم قوة الأمر المقضي به.
  • الحكم المنعدم: إذا كان الحكم منعدمًا أصلاً، فلا حاجة للطعن عليه بالاستئناف؛ إذ لا وجود له قانونًا.
  • عيوب لا يمكن تصحيحها بالاستئناف: بعض عيوب البطلان الجوهرية للغاية قد لا تناسب معالجة بسيطة في الاستئناف.

ويري الاستاذ/ محمد السيد حماد المحامي: أن العدالة لا تنام ما دام “البطلان” حارسها يقظًا، فيقول:

عندما أتأمل في تفاصيل دعوى بطلان الأحكام، ينتابني شعور عميق بالتقدير للفلسفة القانونية الكامنة وراءها، وإنها ليست مجرد أداة إجرائية، بل هي تجسيد لمبدأ أصيل مفاده أن العدالة لا يمكن أن تُبنى على أسس مهزوزة أو إجراءات معيبة.

فمن واقع الممارسة القانونية، أرى أن هذا النوع من الدعاوى يمثل خط الدفاع الأخير ضد الأحكام التي قد تبدو صحيحة ظاهريًا ولكنها تحمل في طياتها عيوبًا جوهرية تُفرغها من محتواها القانوني.
وإن الفصل الصارم بين اختصاص محاكم الأسرة والمحاكم المدنية في نظر دعاوى البطلان يعكس وعيًا قضائيًا بأن البطلان ليس امتدادًا للنزاع الأصلي، بل هو مسألة تتعلق بسلامة هيكل العدالة نفسها، الأمر لا يقتصر على “من فاز بالقضية”، بل يتجاوز ذلك ليطرح سؤالًا جوهريًا وهو: “هل صدر الحكم بطريقة تضمن احترام حقوق الجميع وتطبيق القانون بشكل سليم؟”

ولقد شهدتُ حالاتٍ يكون فيها الحكم القضائي قد صدر وأصبح نهائي وبات، وبدأ الناس في ترتيب حياتهم بناءً عليه وقد ينفذ كأحكام الاسرة التي تصدر من دون ان تنعقد الخصومة على النحو الصحيح قانونًا، ثم يُكتشف لاحقًا أن هناك عيبًا إجرائيًا جسيمًا جعله باطلًا من الأساس.
وهنا تبرز أهمية دعوى البطلان، فهي تمنح المتضرر فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ولو بعد سنوات، وتكمن أهمية مبدأ أن “الدفع بالبطلان لا يسقط بالتقادم” وهو جوهر الحقيقة، لأنه يضمن أن العيوب الجوهرية في الأحكام لا يمكن أن تكتسب شرعية بمرور الوقت، فالحكم الباطل لا يولد حقًا، مهما طال عمره، لأنه علي حد تعبيري “ولد ميتًا”.

وفي النهاية أقول للبعض ممن يرى في هذه الدعاوى تعقيدًا أو إطالة لأمد النزاعات، انني أراها ضرورة حتمية، لإنها تفرض على القضاة والمتقاضين والعاملين بالقانون الالتزام بأعلى معايير الدقة والإجراءات السليمة، ومخافة البطلان هي بمنزلة حارس يقظ يضمن ألا تصبح الأحكام القضائية مجرد أوراق رسمية، بل أن تكون تعبيرًا حقيقيًا عن العدالة المنشودة، لأن البطلان سيكون عقابًا لكل من تحايل علي القانون والشرعية الإجرائية وخصوصًا بعض المتقاضين الذين تخدعهم نفوسهم المريضة بتضليل المحكمة، وكل هدفهم هو الحصول علي حكمًا لصالحهم حتي ولو اتبعوا طرق الغش التي تمكنهم من ذلك، وفي نهاية المطاف فنحن نثق في القضاء لانه من أسس دولة القانون، ودعوى البطلان هي إحدى دعائم هذه الثقة.


للتواصل معنا

📞 01028134004

📍 العنوان: قطور المحطة - شارع المحكمة - مقابل الشهر العقاري - الدور الرابع علوي بالبرج الاداري - مركز قطور - محافظة الغربية

💬 تواصل عبر واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top