سقوط الخصومة في القانون المصري بعد الوقف الوجوبي: عام كامل لا ستة أشهر!
سقوط الخصومة يُعد ركنًا أساسيًا لضمان جدية التقاضي ومنع الدعاوى من التعليق لأجل غير مسمى. ومع ذلك، يكثر الجدل حول بدء سريان مدة السقوط، خصوصًا بعد انتهاء الوقف الوجوبي للدعوى. في هذا الصدد، يرى المستشار محمد حماد المحامي أن مدة سقوط الخصومة في حالة الوقف الوجوبي هي عام كامل من تاريخ زوال سبب الوقف الوجوبي، وفقًا لما قررته محكمة النقض في قضاء مستقر ومتواتر. هذا المقال يستعرض دور أحكام محكمة النقض المصرية التي وضعت مبادئ واضحة وحاسمة في هذا الشأن، مستندة إلى نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية وما استقر عليه قضاؤها.
الوقف الوجوبي: استثناء لا يُحسب من مدة السقوط الأصلية
في بعض الحالات، يفرض القانون وقف الدعوى بشكل وجوبي لحين الفصل في مسألة أخرى ضرورية للحكم في الدعوى الأصلية. هذا الوقف، بطبيعته، يمنع الخصوم من متابعة السير في الدعوى. لذلك، لا يمكن احتساب فترة الوقف هذه ضمن مدة سقوط الخصومة الأصلية البالغة ستة أشهر، المنصوص عليها في المادة 139 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968.
المادة 139 مرافعات تنص على:
“لكل ذي مصلحة من الخصوم في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعي أو امتناعه، أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت ستة أشهر من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي.”
وبالتالي، هذا المبدأ يحمي حقوق الخصوم؛ فعدم السير في الدعوى هنا لا يُعزى إلى إهمال المدعي، بل إلى قرار قانوني بوقفها، وهو ما يفرض استثناءً في احتساب المدة.
مدة السقوط بعد الوقف الوجوبي: عام كامل بقضاء النقض المستقر
النقطة الأكثر أهمية التي أكدت عليها محكمة النقض هي تحديد الميعاد الجديد لسقوط الخصومة بعد انتهاء الوقف الوجوبي. الجدير بالذكر أن المشرع لم ينص صراحةً على مدة محددة لسقوط الخصومة بعد الوقف الوجوبي. بدلًا من ذلك، فإن هذه المدة هي نتاج تفسير وتأصيل قضائي مستقر لمحكمة النقض للمادة 139 سالفة الذكر، تمييزًا بين عدم السير بإهمال المدعي وحالة الوقف الوجوبي.
- ميعاد جديد ومستقل: فور زوال السبب الذي أوجب الوقف الوجوبي للدعوى، تبدأ مدة جديدة ومستقلة لسقوط الخصومة.
- عام كامل: على عكس الميعاد الأصلي (ستة أشهر) المنصوص عليه في المادة 139، تصبح مدة السقوط بعد الوقف الوجوبي عامًا كاملًا. وخلال هذا العام، يقع على عاتق المدعي (أو أي خصم له مصلحة) واجب تعجيل الدعوى لاستئناف السير فيها أمام المحكمة.
وقد أكدت محكمة النقض هذا المبدأ في أحكامها المستقرة، ومنها:
“المقرر في قضاء محكمة النقض أن المادة 139 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن لكل ذي مصلحة من الخصوم في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعي أو امتناعه، أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت ستة أشهر من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي، وأن هذا الميعاد – وهو ميعاد سقوط – ينقطع بانقضاء أي عمل من أعمال التقاضي الصحيحة، أما إذا كان عدم السير في الدعوى راجعاً إلى سبب من أسباب الوقف القانوني أو الوجوبي فإنه بمجرد زوال سبب الوقف تبدأ مدة سقوط الخصومة من جديد وهي سنة كاملة.” (الطعن رقم 181 لسنة 45 قضائية، جلسة 29/1/1980).
“لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الميعاد الذي تبدأ به مدة سقوط الخصومة سنة كاملة إذا كان عدم السير في الدعوى راجعاً إلى سبب من أسباب الوقف القانوني أو الوجوبي، فإنه يبدأ من تاريخ زوال سبب الوقف.” (نقض مدني – طعن رقم 1530 لسنة 54 ق، جلسة 29/12/1988).
علم الخصوم بزوال الوقف: غير مؤثر على بدء المدة
أحد المبادئ الحاسمة التي رسختها محكمة النقض هو أن ميعاد سقوط الخصومة يبدأ من تاريخ زوال سبب الوقف الوجوبي، بغض النظر عن علم الخصوم بذلك. فبالتالي، العلم الشخصي ليس شرطًا لبدء سريان هذه المدة. تقع مسؤولية متابعة مصير الدعوى الموقوفة والتأكد من زوال سبب الوقف على عاتق الخصم، خاصة المدعي.
هذا الميعاد يُعد من مواعيد السقوط المتعلقة بـالنظام العام، ومن ثم يسري في حق الجميع ولا يتوقف على الإعلان أو العلم الشخصي.
وجاء في أحكام النقض ما يؤكد ذلك:
“ميعاد سقوط الخصومة في حالة الوقف الوجوبي يبدأ من تاريخ زوال سبب الوقف، ولو لم يعلن المدعي بهذا الزوال، إذ أن هذا الميعاد يتعلق بالنظام العام ويجري في حق الكافة.” (نقض مدني – طعن رقم 2253 لسنة 61 قضائية، جلسة 29/12/1997).
“المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ميعاد سقوط الخصومة إذا كان الوقف وجوبياً فإنه يسرى من تاريخ زوال سبب الوقف ولو لم يعلن المدعي بهذا الزوال.” (نقض مدني – طعن رقم 1445 لسنة 68 ق، جلسة 13/1/2000).
سقوط الخصومة: من النظام العام لكنه لا يطبق تلقائيًا
هنا تكمن نقطة بالغة الأهمية: أن سقوط الخصومة من النظام العام، إلا أن المحكمة لا تحكم به من تلقاء نفسها بل يجب أن يتمسك به من له مصلحة.
كون سقوط الخصومة “من النظام العام” يعني أنه قاعدة قانونية آمرة وضرورية لتحقيق المصلحة العامة في سير العدالة، ولا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها أو التنازل عنها. وعلاوة على ذلك، فالقواعد التي تنظم مدد السقوط هدفها تنظيم سير الدعاوى ومنع بقائها معلقة، وهو ما يخدم استقرار المراكز القانونية وتطهير جداول المحاكم.
وقد أكدت محكمة النقض مرارًا على أن مواعيد سقوط الخصومة تتعلق بالنظام العام، ومن ذلك:
“ميعاد سقوط الخصومة من المواعيد المتعلقة بالنظام العام، والتي يجب على المحكمة الالتزام بها والحكم بسقوط الخصومة متى استبان لها توافر شروطه، ولو لم يتمسك به الخصوم، متى كانت عناصر الحكم به متوافرة لديها.” (هذا المبدأ استقر عليه قضاء النقض، ويمكن العثور عليه في العديد من الأحكام، مثال:نقض مدني، الطعن رقم 607 لسنة 50 قضائية، جلسة 13/12/1984).
ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن المحكمة تتدخل تلقائيًا للحكم بسقوط الخصومة بمجرد علمها بانقضاء المدة. السبب في ذلك يعود إلى:
- مبدأ حياد القاضي: القاضي في الدعاوى المدنية يفترض فيه الحياد، ودوره هو الفصل في النزاعات بناءً على طلبات ودفاعات الخصوم.
- حماية حقوق الخصوم: سقوط الخصومة يؤدي إلى إنهاء النزاع إجرائيًا، وهذا قد يضر بالمدعي الذي قد يكون لديه أسباب مشروعة لتأخره في التعجيل.
لذلك، يجب على الخصم صاحب المصلحة (وهو غالبًا المدعى عليه أو من تضرر من عدم سير الدعوى) أن يتمسك صراحةً بسقوط الخصومة أمام المحكمة. فبمجرد أن يتمسك الخصم بهذا الدفع وتتحقق شروط السقوط فعليًا (أي انقضاء المدة القانونية)، تصبح المحكمة مُلزمة بالحكم بسقوط الخصومة. لا تملك المحكمة في هذه الحالة خيار عدم الحكم به، لأن القاعدة المتعلقة بمدد السقوط قواعد آمرة.
نقطة إضافية هامة: الوقف الوجوبي وأنواع الوقف الأخرى
من المهم التمييز بين أنواع الوقف المختلفة وتأثيرها على مدة سقوط الخصومة، حيث أن ليست كل حالات توقف الدعوى تعامل معاملة الوقف الوجوبي الذي تناولته هذه المقالة بالتفصيل:
- الوقف الوجوبي (أو القانوني): هو ما يفرضه القانون، وكما أوضحنا، تستأنف مدة سقوط الخصومة بعام كامل بعد زوال سبب الوقف، ولا يُحسب الوقف ضمن مدة السقوط.
- الوقف الاتفاقي: هو ما يتفق عليه الخصوم بحد أقصى ستة أشهر. فإذا لم تُعجل الدعوى خلال ثمانية أيام من انتهاء مدة الوقف المتفق عليها، تسقط الخصومة.
- الوقف الجزائي (الشطب): يحدث نتيجة إهمال أحد الخصوم (كالغياب عن الجلسة). وفي حالة الشطب، إذا لم يتم تجديد الدعوى خلال ستين يومًا، تُعتبر كأن لم تكن (تسقط الخصومة).
سنتناول كل من الوقف الاتفاقي والوقف الجزائي (الشطب) بتفاصيلهما وأحكامهما الخاصة بمدد السقوط في مقالات لاحقة لضمان تغطية شاملة، مثل مقالنا عن تجديد الدعوى من الشطب.
ماذا لو انقضى أكثر من عام على الوقف الوجوبي دون أن يزول سببه؟
هذا سؤال جوهري وله تفسير دقيق من محكمة النقض. في الواقع، إذا انقضى أكثر من عام على الوقف الوجوبي دون أن يزول سبب الوقف نفسه، فإن الخصومة لا تسقط بمضي هذا العام.
الأساس في حكم محكمة النقض بأن مدة السقوط بعد الوقف الوجوبي هي عام كامل، هو أن هذه المدة تبدأ من تاريخ زوال سبب الوقف. وبمعنى آخر، طالما أن سبب الوقف الوجوبي قائم (مثل عدم الفصل النهائي في الطعن بالنقض الذي أوجب الوقف)، يظل هذا المانع القانوني ساريًا. وبالتالي، لا يمكن أن تبدأ مدة العام (التي هي ميعاد لسقوط الخصومة بعد زوال المانع) في السريان أصلاً، وتظل الدعوى في حالة “توقف إجرائي” أو “تعليق” بانتظار زوال السبب.
مثال توضيحي: تطبيق المبادئ على حالة عملية
لنفترض أن دعوى قد أوقفت وجوبًا لحين الفصل في طعن بالنقض، وصدر حكم برفض الطعن وبات هذا الحكم نهائيًا في أغسطس 2024.
بناءً على المبادئ المستقرة لمحكمة النقض:
- بدء المدة: تبدأ مدة تعجيل الدعوى من تاريخ زوال سبب الوقف (تاريخ رفض الطعن وباتت الدعوى قابلة للسير)، أي من أغسطس 2024.
- طول المدة: هذه المدة هي عام كامل.
- انتهاء المدة: إذا لم يتم تعجيل الدعوى بتقديم صحيفة تعجيل وإعلانها للخصوم قبل أغسطس 2025، فإن للمدعى عليه الحق في طلب الحكم بـسقوط الخصومة.
- أثر العلم المتأخر: حتى لو علم المدعي بقرار الرفض في وقت لاحق (مثلاً في أبريل 2025)، فإن ذلك لا يؤثر على بدء سريان مدة العام. وفي هذه الحالة، تبقى مسؤولية المتابعة على عاتق المدعي لضمان استئناف دعواه في الوقت المناسب.
الخلاصة
إن فهم هذه المبادئ التي استقرت عليها أحكام محكمة النقض المصرية حول سقوط الخصومة بعد الوقف الوجوبي أمر حيوي للمحامين وكل من هو طرف في دعوى قضائية. يؤكد المستشار محمد حماد المحامي أن الالتزام بالمدة القانونية الجديدة (عام كامل) ومتابعة مصير الدعاوى الموقوفة وجوبيًا يضمن الحفاظ على الحقوق وتجنب مخاطر سقوط الخصومة، مع التأكيد على أن هذه المدة تبدأ فقط من تاريخ زوال سبب الوقف، وليس بمجرد مرور عام على قرار الوقف نفسه.